قصة قصيرة (الجار قبل الدار)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه القصة رواها أحدهم عن نفسه

محتوي القصة

انه جاري لم يكن يحاددني لا من اليمين أو من اليسار بل كانت باب داري مقابلة بالضبط لحديقة بيته ,صحيح لم نتقابل آلافي المناسبات لكني احس به بأنه اقرب الناس لي ,وكثيرا وكثيرا ما كان يعاتبني على هذا الأمر الذي لم يكن ضمن سيطرتي بل انا شبيه منعزل ولا أحب المجاملات الزائدة عن المنطق ,الواحد ينقذ الأخر بأسلوبه الخاص ويعرف كل الإخبار التي يود الاستماع لها ,انه الحاج عبد الواحد حيدر جلوب ,أنسانا تجاوز العمر به كثيرا , وهو يعيش في بيته الذي تسلمه من الدولة ابان دحر النظام الملكي وخروج الانكليز من بلدنا بعد ثورة تموز 1958 يعجب الناضر إليه لرؤيته وهو يرتدي زيه العشائري تراه يصل الى ابعد مناطق البلاد مؤديا الواجب إن كان فرحا أو حزنا فلن تجده يتكاسل ولو لمرة واحدة ,تقاطيع وجهه اللطيفة تضيف إلى شخصيته الروعة بالفعل شمس الشتاء المنصرم خلقت لنا لقاء سريعا حينما كنت أتدفأ بخيوطها الذهبية رفعت راسي من خلال الباب ونظرت إليه واقفا في بابه مثل كل يوم شتوي جميل كهذا فاقتربت إليه قائلا

_السلام عليك يا أيها الحاج ..

ابتسم ابتسامة خفيفة وأجاب

_وعليك السلام ..نشكر الله ثم نشكر الشمس التي تجعلك تخرج من منزلك ..

ضحكت بصوت سمعه إلا إن صوت إجابتي كان متقطعا

_ماذا افعل من العمل إلى البيت ثم إلى صباح اليوم التالي...

لست اذكر بالضبط متى كان لقائنا السابق وأين؟لأني اشعر بالذنب يؤلمني تجاه أحاديث هذا الرجل المؤمن صاحب الوقفات المشهودة له في محلته التي انا احد ساكنيها ,لم يكن لي زمن طويل فيها بل لا تتجاوز العشرة سنوات حينما أقمت هذا البناء الصغير الذي اعتبره مشتملا لي لا تزيد مساحته على مائة متر فقط ,رطوبة شتاء هذا العام سيطرت على الأجواء وأحسست بان لسعة برد تلسعني فوقفت محدثا له

_اشعر بالبرد يؤلم عظامي ..

عدل من نضارته البيضاء الطبية التي لا يستعملها إلا في حالة خروجه من البيت وقال لي

_لنرك إذا في اقرب فرصة ..

لم تكن الفرصة إلا في المناسبات مثل الأفراح والإحزان وأيام الأعياد غبت عن أنظاره ودخلت بيتي باحثا عن المدفأة التي احتضنتها بشوق لحرارتها فهي تحرك في داخل روحي حركة مستمرة ,كان ضياؤها ملاء المكان الذي اجلس فيه وانأ ارفع نظري الى السماء من خلال النافذة واردد وأقول

_الحمد الله ربي على هذه النعمة ..أنها نعمة الجار الحسن والجيد ..

كان الصوت لم يسمعه أحدا بل كان في أعماقي لكن الابتسامة انتشرت على وجهي والفرح والمسرة طوقتني حينما أعدت صورة هذا الرجل في ذاكرتي حينما قال لي يوما

_أنت جاري ونعم الجار ...

عندها تذكرت وصية أبي لي قبل موته لما قال لي

_إن أردت إن تسكن فاسأل الجار قبل الدار................